ضغوط وحملات شيطنة على حماس- مقترحات مسمومة وحسابات خاطئة

المؤلف: عريب الرنتاوي09.11.2025
ضغوط وحملات شيطنة على حماس- مقترحات مسمومة وحسابات خاطئة

حركة حماس تعيش أياما عصيبة، إذ تتزايد عليها الضغوط من كل حدب وصوب. إسرائيل تستأنف حربها الشرسة، معتمدة على استراتيجية "الترويع والصدمة" ذات المسارين المتوازيين. أولهما، تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وموجهة، حققت نجاحات ملحوظة بعد فترة هدوء دامت شهرين، كانت كافية على ما يبدو لتحديث بنك الأهداف الإسرائيلي بمعلومات وإحداثيات جديدة.

أما المسار الثاني، فيرتكز على بث الرعب في قلوب المدنيين من خلال القصف الجوي والبحري والبري المكثف، وإجبار مئات الآلاف منهم على النزوح القسري، في تكرار مأساوي للمشهد منذ بداية العدوان، وسط تأكيدات علنية ببدء تنفيذ خطة ترامب لتهجير السكان، وتأسيس إدارة خاصة تابعة لوزارة الحرب للإشراف على هذه المهمة، بالإضافة إلى تصريحات متكررة من القيادات السياسية والعسكرية حول ضم أجزاء من القطاع وإخضاعها لحكم عسكري، سواء كان مؤقتًا أو دائمًا.

في ظل تنسيق كامل بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، تم إفشال اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توسط فيه فريق ترامب قبل توليه السلطة، والذي وافقت عليه تل أبيب وأبرمته حكومة نتنياهو. لكن سرعان ما انقلب الحليفان الاستراتيجيان على هذا الاتفاق، وأجهضوا المرحلة الثانية منه، وبدأوا في تحميل حماس مسؤولية انهياره، مما أدى إلى حملة تشويه سمعة شرسة، شاركت فيها إدارة ترامب بفعالية أكبر من حكومة نتنياهو، مدعومة بمجموعة من المقربين الذين جندوا أنفسهم لتحقيق هذا الهدف.

تشارك أطراف أخرى في ممارسة الضغوط على المقاومة، بل إن بعضها منخرط بشكل كبير في استراتيجية "الشيطنة" وتحميل المقاومة مسؤولية فشل الوساطة وعودة الحرب.

ليس هذا بجديد، فكثير من الحكومات اعتادت على الضغط على الفلسطينيين عندما تعجز عن التأثير في الموقف الإسرائيلي المتصلب. حدث هذا في عهد ياسر عرفات، ويتكرر اليوم، وبقية القصة معروفة.

أما اللاعبون الأساسيون في لعبة "الشيطنة"، فلهم تاريخ حافل في معاداة المقاومة بكافة أشكالها، بل وحتى حركات الإسلام السياسي، وهم يعلنون تأييدهم لمشروع ترامب التهجيري، وتنقل مصادر متعددة عنهم استعجالهم لتصفية حماس، باعتبارها تهديدًا مشتركًا لهم ولـ "الحليف الإسرائيلي".

حتى الآن، لا يوجد ما يفاجئنا في هذه الأحداث، أو يخرج عن توقعاتنا وتوقعات الكثير من المواطنين الفلسطينيين والعرب، فكل واحد منا يمتلك ذاكرة مليئة بمواقف مماثلة، وفي لحظات تاريخية فاصلة.

لقد كشفت كتب السير والتاريخ، والتحقيقات الاستقصائية، عن فيض من "النذالات"، التي لم تعد تحرج أصحابها للأسف، بل ولم يعودوا يرون حاجة لإنكارها أو تبريرها، كما كانوا يفعلون في الماضي.

لكن الجديد المؤسف والمحزن، هو انضمام مجموعات من المناضلين الفلسطينيين (السابقين) والكتاب والباحثين والإعلاميين، و"نشطاء المجتمع المدني" إلى واحدة من أسوأ حملات الضغط والابتزاز على المقاومة وقيادتها، في غزة وخارجها، دائمًا بحجة الحرص على وقف نزيف الدم، وإنقاذ الأبرياء، وتفويت الفرصة، وتغليب المصلحة العامة، والتعامل بـ "واقعية سياسية" بعيدًا عن الشعارات الرنانة الفارغة.

هنا، يجب علينا أن ننزل بالتحليل، طبقة أو طبقتين في العمق، لسبر أغوار هؤلاء، والتعرف على دوافعهم ومبررات انضمامهم لحملات التشويه والابتزاز التي تتعرض لها المقاومة. فليست كل هذه المواقف نابعة من نفس المصدر.

منهم من انخرط في التكيف مع مخرجات الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، ويعمل بنشاط على مطاردة المقاومة في الضفة وغزة وعموم المنطقة، لعبته المفضلة: المزيد من "التنسيق الأمني". ومنهم، مهزومون، استسلموا للهزيمة منذ الأيام الأولى لهذه المعركة، وبدأوا في التقليل من شأن فكرتي الصمود والمقاومة، واستعجلوا المصائب قبل وقوعها.

غالبية هؤلاء غادروا قطاع غزة مبكرًا، فلديهم من الموارد ما يكفي لتمويل حياة مريحة في عواصم العالم أو غيرها من مدن الشتات.

ومنهم من أصابته لوثة "العداء للإسلام السياسي والمسلح"، يخشونه ويتمنون له الفشل، حتى أمام عدو قومي اقتلاعي همجي، لا هم قادرون على مواجهته في الساحة السياسية والانتخابات، ولا هم مستعدون لمجاراته في ميادين الحرب والقتال، متعالون بظنهم الواهم أنهم أنصار الحداثة وما بعدها.

أما الفئة الرابعة، فهم مواطنون طيبون، يتوقون لإنهاء معاناة غزة بأي ثمن، لقد روعتهم صور الإبادة والتطهير، الدماء والأشلاء، الخرائب والبحث اليائس عن لقمة عيش أو قطرة ماء، نحن نتفهم حرقتهم، ونحترم صرخاتهم، ونجد العذر لهم حتى وهم في أوج قسوتهم في التعبير عما يجول في قلوبهم وصدورهم، إنهم أهلنا وربعنا وناسنا.

مقترحات مسمومة

خلال الأسابيع القليلة الماضية، انتشرت في المقالات والتصريحات وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، مقترحات خبيثة للمقاومة، تمحورت في معظمها حول ثلاثة مقترحات:

المقترح الأول

يطالب هذا المقترح حماس بتسليم قيادتها للسلطة الفلسطينية، والاقتداء بما فعله حزب الله خلال المفاوضات حول اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني لوقف إطلاق النار، عندما كلف الدولة اللبنانية بالتفاوض مع الوسطاء، بهدف إنهاء القتال.

يتجاهل هؤلاء عن عمد وإصرار، جملة من الحقائق الجوهرية:

  • أولها؛ أنه لا يوجد "نبيه بري" في سلطة رام الله، يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تضع في يده مفاتيح التفاوض والاتفاق. فالمفاوضات مع الوسطاء في لبنان، قادها الرجل الثاني في "الثنائي الشيعي"، ولم تُترك لأنصار استئصال المقاومة المتغلغلين في الدولة والمجتمع.

صحيح أن هناك ما يقال عن علاقة معقدة بين حركة أمل وحزب الله، وبين نبيه بري وحسن نصر الله، وصحيح أيضًا أن هناك ما قيل ويقال عن سطحية "البعد المقاوم" في سلوك أمل ومواقفها، لكن الصحيح أيضًا، أن هناك "وحدة حال" بين الجانبين، على الأقل عندما يتعلق الأمر بـ "العدو الخارجي" للطائفة، على عكس الوضع القائم في فلسطين.

  • ثانيها؛ أن هناك في لبنان، ومن داخل البيئة الشيعية – السياسية الحاضنة للحزب، من وقع في فخ المقارنة بين اتفاق 17 يناير/كانون الثاني الفلسطيني، واتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني اللبناني، فاستحسن الأول وانتقد الأخير لعيوبه ونقائصه، وفي ذلك تلميح مبطن، من قناة المفاوض اللبناني حتى وهو ينتمي إلى البيئة والمرجعية ذاتها.

وبغض النظر عما إذا كانت الانتقادات قد صدرت بدوافع سياسية تحركها المنافسة على زعامة الطائفة، كما نُظر إلى تصريحات اللواء جميل السيد، إلا أن "إغراء" المقارنة، ظل حاضرًا بقوة. وخلاصة القول: لا يحك جلدك مثل ظفرك.

  • ثالثها؛ أن صيغة اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني على ما فيه من تنازلات وعيوب، والذي أجازته الحكومة اللبنانية بحضور وزراء حزب الله وموافقتهم، وما تكشف عن "اتفاق موازِ"، أميركي – إسرائيلي، ينقض الاتفاق الأول، ويتخذ شكل "ورقة تفاهمات ثنائية"، لم تؤدِ إلى التزام إسرائيل ببنود هذا الاتفاق.

فإسرائيل ما تزال تنتهك سيادة لبنان، أرضًا وسماء ومياهًا إقليمية، وما زالت تقتل وتدمر وتغتال في طول البلاد وعرضها، وهي تمنع عودة النازحين إلى قرى الشريط الحدودي، وتصر على احتلالها خمس قمم جبلية لبنانية حاكمة ومتحكمة، ضاربة عرض الحائط بالاتفاق واللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذه.

بينما يبدو "الأفق اللبناني" ملبدًا بمشاريع تصفية الحزب وتجريده من سلاحه، وفرض أسوأ أنواع الحصار المالي والاقتصادي عليه. أليس فيما جرى بعد الاتفاق، درس وعبرة؟ وهل بعد ذلك، تُلام المقاومة الفلسطينية على تمسكها بوقف شامل للحرب وانسحاب كامل لقوات الاحتلال عن القطاع؟

المقترح الثاني

يدعو هذا المقترح حماس إلى تسليم زمام الأمور للجامعة العربية، أو لدول عربية مؤثرة، للتفاوض نيابة عنها، علمًا بأن الكثير ممن يتبنون هذا الرأي، هم أنفسهم الذين سبق لهم أن "نعوا" الجامعة العربية ووصفوها بأنها كيان عفا عليه الزمن، لم يجلب نفعًا ولم يدفع ضررًا.

لم يستحضر هؤلاء تصريحات الأمين العام حول المقاومة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تصفح كتاب "الحرب" لبوب وودوردز، ولم يشغلهم استعراض تاريخ طويل من العداء للمقاومة الفلسطينية، في عهد عرفات، وخاصة في مرحلتها الإسلامية الأخيرة، ولا يرون أي حاجة لإقناعنا بأن القضية والمشروع الوطني والمقاومة، ستكون في أيد أمينة.

والمفارقة الغريبة العجيبة، أن بعض أصحاب هذا المقترح، هم من أشد المتحمسين لفكرة "الممثل الشرعي الوحيد"، والمدافعين بشراسة عن "القرار الوطني المستقل".

لم تكفِ هؤلاء فصول العجز والتواطؤ، وأحيانًا الخيانة، التي تجلت طوال أشهر الطوفان الخمسة عشر، ولم يلتفتوا إلى فشل القمم العربية المختلفة، في فتح معبر أو كسر حصار أو إدخال حبة دواء دون موافقة إسرائيلية مشروطة ومسبقة.

نسي هؤلاء أو تناسوا، أن "المقتلة" ما كانت لتستمر، ولا أن تبلغ ذروة الدموية والوحشية لولا هذا الخذلان الدولي، وأن حرب التطهير والإبادة، ما كانت لتطول وتتوسع، لولا هذا الضعف والاستسلام.

نسي هؤلاء أو تناسوا، أن هناك ما يشبه التواطؤ، الضمني أحيانًا والصريح في أحيان أخرى، على حرمان المقاومة من "شرف" إحداث أكبر هزيمة في تاريخ إسرائيل، حتى وإن كان الثمن، قتل وجرح 7% من سكان القطاع، هو انتصار للمقاومة.

المقترح الثالث

يقترح هذا السيناريو على حماس الانسحاب من المشهد السياسي، والاختفاء من الصورة تمامًا، دون أن يكلف أصحابه أنفسهم عناء الإجابة على سؤال جوهري: إلى أين ستذهب الحركة؟ وماذا عن الجغرافيا العربية التي ضاقت بالفلسطينيين، حتى بأسرراهم المحررين، من حماس وغيرها؟ وهل حماس مجرد حفنة من القادة وبضع مئات من المقاتلين ليتم تنحيتهم وإخراجهم من الصورة!

ألم تصلهم تصريحات جنرالات إسرائيل ورؤساء حكوماتها السابقين، ومسؤولين أميركيين، عن الحركة بوصفها "فكرة وأيديولوجيا" متجذرة في أوساط الشعب الفلسطيني، وأن إزالتها من الوجود، هي فكرة "خيالية" لا أساس لها من الصحة!

ما الذي يقترحه هؤلاء، وخاصة أولئك الذين لا يملكون أي وزن أو تأثير حقيقي، وفي أحسن الأحوال، لا يمثلون سوى جزء ضئيل من الشعب وبيئة المقاومة؟

دعونا نستحضر صفحة من تاريخ المقاومة الفلسطينية، في العام 1982، بعد خروجها من "لبنان الاجتياح وبيروت الحصار"، بحماية دولية (أميركية – فرنسية)، إثر اتفاق توسط فيه فيليب حبيب في حينه، يومها كانت الجغرافيا العربية ما زالت قادرة على استيعاب الشتات الفلسطيني المقاوم، فانتقلت القيادة إلى تونس وتوزع المقاتلون في عدة دول عربية. فهل إعادة إنتاج هذا المشهد، يبدو أمرًا محتملًا وممكنًا في ظل الظروف العربية الراهنة!

ثم، لم يمضِ أسبوعان على "ركوب البحر"، وخروج المقاتلين، حتى شهد مخيم صبرا وشاتيلا واحدة من أبشع المجازر في تاريخ الحروب العربية البينية، أو الحروب العربية – الإسرائيلية.

فهل لدى دعاة اختفاء المقاومة اليوم، ضمانة بأن إسرائيل لن تعيد إنتاج سيناريو المذبحة في غزة، على نطاق أوسع وأفظع مما حدث في مخيمات لبنان، ودون أن تدفع ثمنًا؟

هل يعتقدون أن المقتلة التي وقعت حتى الآن، هي نهاية المطاف للإجرام الإسرائيلي، أم أن الشهية الإسرائيلية للدم الفلسطيني، لا يمكن وصفها إلا بجهنم التي تسأل هل امتلأت فتقول هل من مزيد؟

تعكس هذه المقاربة، سذاجة نقية في بعض الأحيان، ومريبة في معظمها، وتعتمد على نوايا والتزامات عدو أثبت للمرة الألف، أنه لا يحترم عهدًا ولا يلتزم باتفاق، وأن نواياه التهجيرية الفاضحة، ستدفعه إلى فعل ما لم يفعله حتى الآن، وأن البيئة الدولية التي تسمح له بالإفلات من العقاب، ستجعل من جرائم الهوتو والتوتسي نزهة قصيرة، مقارنة بما يمكن أن يرتكبه في غزة وأهلها ومقاومتها.

وأخيرًا، لا يكتمل هذا المقال، دون الإشارة إلى ظاهرة "الحكماء بعد فوات الأوان"، الذين يخرجون بألسنتهم اليوم مرددين المقولة المحببة إلى قلوبهم: ألم نقل لكم؟ أما كان يجب عليكم أن تحسبوا حسابًا لكل صغيرة وكبيرة قبل الإقدام على مغامرة السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟! ألستم تتحملون مع إسرائيل المسؤولية عما حل بشعبكم من نكبة جديدة؟!

مشكلة هؤلاء، لا تكمن في ادعاءاتهم الكاذبة والسخيفة فحسب، بل في الخدمات المجانية الجليلة التي يقدمونها لعدو شعبهم وأمتهم، سواء كانوا يدركون ذلك أم لا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة